فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن العربى:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ}.
فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ:
المسألة الأولى:
فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ امْرَأَةٌ تُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْت قَطُّ مِثْلَهَا.
قَالَ: فَكَانَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ إذَا صَلَّوْا تَقَدَّمُوا، وَبَعْضُهُمْ يَسْتَأْخِرُ، فَإِذَا سَجَدُوا نَظَرُوا إلَيْهَا مِنْ تَحْتِ أَيْدِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ.
المسألة الثانية:
فِي شَرْحِ الْمُرَادِ بِهَا: فِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْخَلْقِ إلَى الْيَوْمِ، وَالْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بَعْدُ؛ بَيَانًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ؛ قَالَهُ قَتَادَةُ وَجَمَاعَةٌ.
الثَّانِي: مَنْ مَاتَ، وَمَنْ بَقِيَ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
الثَّالِثُ: الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
الرَّابِعُ: قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ فِي الطَّاعَةِ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ فِي الْمَعْصِيَةِ.
الْخَامِسُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ مَعْنَاهُ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ فِي الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ بِهَا حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ؛ وَكُلُّ هَذَا مَعْلُومٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ عَالِمٌ بِكُلِّ مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ، وَبِمَا كَانَ وَبِمَا يَكُونُ وَبِمَا لَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ.
المسألة الثالثة:
هَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ أَوَّلِ الْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً، وَعَلَى فَضْلِ الْمُبَادَرَةِ إلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ وَالْمُسَارَعَةِ إلَيْهَا عَامَّةً؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ.
المسألة الرابعة:
وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى فَضْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الصَّلَاةِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ».
فَإِذَا جَاءَ الرَّجُلُ الْمَسْجِدَ عِنْدَ الزَّوَالِ فَنَزَلَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، فَقَدْ حَازَ ثَلَاثَ مَرَاتِبَ فِي الْفَضْلِ: أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَالصَّفَّ الْأَوَّلِ، وَمُجَاوَرَةَ الْإِمَامِ.
فَإِنْ جَاءَ عِنْدَ الزَّوَالِ وَنَزَلَ فِي الصَّفِّ الْآخَرِ أَوْ فِيمَا نَزَلَ عَنْ الْأَوَّلِ فَقَدْ حَازَ فَضْلَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَفَاتَهُ فَضْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَالْمُجَاوَرَةِ.
فَإِنْ جَاءَ وَقْتُ الزَّوَالِ وَنَزَلَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ دُونَ مَا يَلِي الْإِمَامَ فَقَدْ حَازَ فَضْلَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَفَضْلَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَفَاتَهُ مُجَاوَرَةُ الْإِمَامِ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيه مَنْ يَشَاءُ.
وَمُجَاوِرَةُ الْإِمَامِ لَا تَكُونُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى».
فَمَا يَلِي الْإِمَامَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ، فَإِنْ نَزَلَهَا غَيْرُهُ أُخِّرَ لَهُ وَتَقَدَّمَ هُوَ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ بِأَمْرِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ، كَالْمِحْرَابِ هُوَ مَوْضِعُ الْإِمَامِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ.
المسألة الخامسة:
وَكَمَا تَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى فَضْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الصَّلَاةِ، فَكَذَلِكَ تَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الْقِتَالِ؛ فَإِنَّ الْقِيَامَ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، وَبَيْعَ النَّفْسِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُوَازِنُهُ عَمَلٌ فَالتَّقَدُّمُ إلَيْهِ أَفْضَلُ.
وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا خَفَاءَ بِهِ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَتَقَدَّمُ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ.
قَالَ الْبَرَاءُ: «كُنَّا إذَا حَمِيَ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد عَلِمنا المستأخرين}
فيه ثمانية تأويلات:
أحدها: أن المستقدمين الذين خلقوا، والمستأخرين الذين لم يخلقوا، قاله عكرمة.
الثاني: المستقدمين الذين ماتوا، والمستأخرين الذين هم أحياء لم يموتوا، قاله الضحاك.
الثالث: المستقدمين أول الخلق، والمستأخرين آخر الخلق، قاله الشعبي.
الرابع: المستقدمين أول الخلق ممن تقدم على أمة محمد، والمستأخرين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد.
الخامس: المستقدمين في الخير، والمستأخرين في الشر، قاله قتادة.
السادس: المستقدمين في صفوف الحرب، والمستأخرين فيها، قاله سعيد بن المسيب.
السابع: المستقدمين من قتل في الجهاد، والمستأخرين من لم يقتل، قاله القرظي.
الثامن: المستقدمين في صفوف الصلاة، والمستأخرين فيها.
روى عمر بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأةٌ من أحسن الناس، لا والله ما رأيت مثلها قط، فكان بعض الناس يستقدم في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطه في الصف، فأنزل الله تعالى في شأنها هذه الآية. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وإنا لنحن نحيي ونميت} الآيات، هذه الآيات مع الآيات التي قبلها تضمنت العبرة والدلالة على قدرة الله تعالى وما يوجب توحيده وعبادته، فمعنى هذه: وإنا لنحن نحيي من نشاء بإخراجه من العدم إلى وجود الحياة، وبرده عند البعث من مرقده ميتًا، ونميت بإزالة الحياة عمن كان حيًا، {ونحن الوارثون}، أي لا يبقى شيء سوانا، وكل شيء هالك إلا وجهه لا رب غيره.
ثم أخبر تعالى بإحاطة علمه بمن تقدم من الأمم، بمن تأخر في الزمن من لدن أهبط آدم إلى الأرض إلى يوم القيامة، وأعلم أنه هو الحاشر لهم الجامع لعرض القيامة على تباعدهم في الأزمان والأقطار، وأن حكمته وعلمه يأتيان بهذا كله على أتم غاياته التي قدرها وأرادها.
وقرأ الأعرج {يحشِرهم} بكسر الشين.
قال القاضي أبو محمد: بهذا سياق معنى الآية، وهو قول جمهور المفسرين: وقال الحسن: معنى قوله: {ولقد علمنا المستقدمين} أي في الطاعة، والبدار إلى الإيمان والخيرات، و{المستأخرين} بالمعاصي.
قال القاضي أبو محمد: وإن كان اللفظ يتناول كل تقدم وتأخر على جميع وجوهه فليس يطرد سياق معنى الآية إلا كما قدمنا، وقال ابن عباس ومروان بن الحكم وأبو الجوزاء: نزل قوله: {ولقد علمنا} الآية، في قوم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تصلي وراءه امرأة جميلة، فكان بعض القوم يتقدم في الصفوف لئلا تفتنه، وكان بعضهم يتأخر ليسرق النظر إليها في الصلاة، فنزلت الآية فيهم.
قال القاضي أبو محمد: وما تقدم الآية من قوله: {ونحن الوارثون} وما تأخر من قوله: {وإن ربك يحشرهم}، يضعف هذه التأويلات، لأنها تذهب اتصال المعنى، وقد ذكر ذلك محمد بن كعب القرظي لعون بن عبد الله. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولقد علمنا المستقدمين منكم} يقال: استقدم الرجل، بمعنى: تقدم، واستأخر، بمعنى: تأخر.
وفي سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن امرأةً حسناءَ كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان بعضهم يستقدم حتى يكون في أول الصفِّ لئلا يراها، ويتأخر بعضهم حتى يكون في آخر صف، فإذا ركع نظر من تحت إِبطه، فنزلت هذه الآية، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس.
والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّض على الصف الأول، فازدحموا عليه، وقال قوم بيوتهم قاصية عن المدينة: لنبيعنَّ دُورنا، ولنشترينَّ دورًا قريبة من المسجد حتى ندركَ الصف المتقدم، فنزلت هذه الأية؛ ومعناها: إِنما تُجْزَون على النيات، فاطمأَنوا وسكنوا، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
وللمفسرين في معنى المستقدمين والمستأخِرين ثمانية أقوال.
أحدها: التقدم في الصف الأول، والتأخر عنه، وهذا على القولين المذكورين في سبب نزولها، فعلى الأول: هو التقدُّم للتقوى، والتأخُّر للخيانة بالنظر، وعلى الثاني: هو التقدم لطلب الفضيلة، والتأخر للعذر.
والثاني: أن المستقدمين: من مات، والمستأخرين، من هو حي لم يمت، رواه العَوفي عن ابن عباس، وخُصَيف عن مجاهد، وبه قال عطاء، والضحاك، والقرظي.
والثالث: أن المستقدمين: من خرج من الخلق وكان.
والمستأخرين: الذين في أصلاب الرجال، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال عكرمة.
والرابع: أن المستقدمين: من مضى من الأمم، والمستأخرين: أُمة محمد صلى الله عليه وسلم، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.
والخامس: أن المستقدمين: المتقدِّمون في الخير، والمستأخرون: المثبِّطون عنه، قاله الحسن، وقتادة.
والسادس: أن المستقدمين في صفوف القتال، والمستأخرين عنها، قاله الضحاك.
والسابع: أن المستقدمين: من قُتل في الجهاد، والمستأخرين: من لم يُقتَل، قاله القرظي.
والثامن: أن المستقدمين: أول الخلق، والمستأخرين آخر الخلق، قاله الشعبي. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)} أي الأرض ومن عليها، ولا يبقى شيء سوانا.
نظيره. {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم: 40].
فملك كلّ شيء لله تعالى.
ولكن ملك عباده أملاكًا فإذا ماتوا انقطعت الدّعاوى، فكان الله وارثًا من هذا الوجه.
وقيل: الإحياء في هذه الآية إحياء النطفة في الأرحام.
فأما البعث فقد ذكره بعد هذا في قوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ} [الحجر: 25].
{وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)}.
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستأخرين} فيه ثمان تأويلات: الأوّل: {المستقدمين} في الخلق إلى اليوم، ولا المستأخرين، الذين لم يخلقوا بعد، قاله قتادة وعكرمة وغيرهما.
الثاني: {المستقدمين} الأموات، و{المستأخرين} الأحياء؛ قاله ابن عباس والضحاك.
الثالث: {المستقدمين} من تقدّم أمة محمد، و{المستأخرين} أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ قاله مجاهد.
الرابع: {المستقدمين} في الطاعة والخير، و{المستأخرين} في المعصية والشر؛ قاله الحسن وقتادة أيضًا.
الخامس: {المستقدمين} في صفوف الحرب، و{المستأخرين} فيها؛ قاله سعيد بن المسيّب.
السادس: {المستقدمين} من قتل في الجهاد، و{المستأخرين} من لم يقتل؛ قاله القرظي.
السابع: {المستقدمين} أوّل الخلق، و{المستأخرين} آخر الخلق؛ قاله الشعبِيّ.
الثامن: {المستقدمين} في صفوف الصلاة، و{المستأخرين} فيها بسبب النساء.
وكل هذا معلوم لله تعالى؛ فإنه عالم بكل موجود ومعدوم، وعالم بمن خلق وما هو خالقه إلى يوم القيامة.
إلا أن القول الثامن هو سبب نزول الآية؛ لما رواه النَّسائي والترمذيّ عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن الناس، فكان بعض القوم يتقدّم حتى يكون في الصف الأوّل لئلا يراها، ويتأخرّ بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطه، فأنزل الله عز وجل {وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستأخرين}.
وروي عن أبي الجوزاء ولم يُذكر ابن عباس، وهو أصح.
الثانية: هذا يدل على فضل أوّل الوقت في الصلاة وعلى فضل الصفّ الأوّل؛ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأوّل ثم لم يجِدوا إلا أن يستَهِموا عليه لاستهموا» فإذا جاء الرجل عند الزوال فنزل في الصف الأوّل مجاور الإمام، حاز ثلاث مراتب في الفضل: أوّل الوقت، والصف الأوّل، ومجاورة الإمام.
فإن جاء عند الزوال فنزل في الصف الآخر أو فيما نزل عن الصف الأوّل، فقد حاز فضل أوّل الوقت وفاته فضل الصف الأوّل والمجاورة.
فإن جاء وقت الزوال ونزل في الصف الأوّل دون ما يلي الإمام فقد حاز فضل أوّل الوقت وفضل الصف الأوّل، وفاته مجاورة الإمام.
فإن جاء بعد الزوال ونزل في الصف الأوّل فقد فاته فضيلة أوّل الوقت، وحاز فضيلة الصف الأوّل ومجاورة الإمام.
وهكذا.
ومجاورة الإمام لا تكون لكل أحد، وإنما هي كما قال صلى الله عليه وسلم: «لِيَلنِي منكم أولو الأحلام والنهى» الحديث.
فما يلي الإمام ينبغي أن يكون لمن كانت هذه صفته، فإن نزلها غيره أخِّر وتقدّم هو إلى الموضع؛ لأنه حقّه بأمر صاحب الشرع، كالمحراب هو موضع الإمام تقدّم أو تأخّر؛ قاله ابن العربي.
قلت: وعليه يحمل قول عمر رضي الله عنه: تأخر يا فلان، تقدّم يا فلان؛ ثم يتقدّم فيكبر.
وقد روي عن كعب أن الرجل من هذه الأمة ليَخِرّ ساجدًا فيغفر لمن خلفه.
وكان كعب يتوخى الصف المؤخر من المسجد رجاء ذلك، ويذكر أنه وجده كذلك في التوراة.
ذكره الترمذيّ الحكيم في نوادر الأصول.
وسيأتي في سورة الصافات زيادة بيان لهذا الباب إن شاء الله تعالى.
الثالثة: وكما تدل هذه الآية على فضل الصف الأوّل في الصلاة، فكذلك تدل على فضل الصف الأوّل في القتال؛ فإن القيام في نحر العدوّ، وبيع العبد نفسه من الله تعالى لا يوازيه عمل؛ فالتقدّم إليه أفضل، ولا خلاف فيه ولا خفاء به.
ولم يكن أحد يتقدّم الحرب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان أشجع الناس.
قال البَرَاء: كنا والله إذا احمرّ البأس نَتّقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذِي به، يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ} أي للحساب والجزاء.
{إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} تقدّم. اهـ.